الجمعة، 25 سبتمبر 2009

شىء بايخ جداً



نسرين بسيونى*

أعترف أنني رومانسية إلي حدَ الهوس ، أرتبط بأشياء،بأماكن،بمحلات و بائعيها ، بطعام ، بمُدن، بقطع أثرية و لوحات فنية ، و جدران ، بحيوانات و آدميين ، أُغرق نفسي في حبهم و أتوهم أنهم يبادلونني نفس الحب
فيوسف يحبني ، ربما رآني في فاتن و لذلك أحبها و يحبها حتى الآن ، و بحث عني حتى وجدَ مُحسن ، فخذله.. أنا لم أكن لأخذلك يا يوسف و لم أكن لأُفضل عُمر عليكَ.
الأسكندر الاكبر أحبني أيضاً ، و لذلك بنى لي مدينتي الصغيرة و أختار لها موقعاً علم أنه يناسبني تماماً و فتح لي شباكاً على بحري المتوسط حتى أطل علي أسماكي كل صباح و أتنفس اليود الذي يملأ الهواء فقط من أجل رئتيّ.
يحيي يُحبني لذلك صنع هوامش لا لشئ الا لتكون معبري الي مرساي ، وغرفتي على القمر ، وجداري المُلون ، و هذا البار البيروتي ، و دفتر قصصي الصغير هذا.
لم يكتفي يحيي بذلك، بل أعطاني أسمه لكي أهبه الي طفلي الصغير الذي لم يأتي بعد.
هذه البقرة تُحبني ، تعطيني الحليب كل يوم لكي أصنع مشروبي المُفضل (لبن بالموز) و بالطبع لن أُغفل حق شجرة موزي العزيزة التي دون أن تدري تكن لي شيئاً و لا تُصرح عنه.
سكورسيزي كان واضحاً في التعبير عن مشاعره ، فلم يتوقف عند صُنعه لسائق التاكسي ، بل أهداني بيلي كوستيجان الذي أحبني – بالطبع- بدوره.
نيكولاس أنصت الي قلبي جيداً لمدة ألف عام ، ثم صنع لي رجلي المثالي ، لاندون كارتر الحبيب الذي أهداني نجمة و قُبلة و سترة صوفية.
بالتأكيد نيسان يُحبني ، و الا فلماذا منحني كذبته السخيفة التي أوصلتني هُنا ، لأطفو قليلاً فوق بحيرتي ، أتنفسه.
بائع التمر الهندي في سيدي جابر يُحبني ، محلات شارع فؤاد تشتاق لي أعلم ذلك جيداً ، بائع شرائط الكاسيت في أول شارع أسكندراني ، شارع أمير البحر ، كوبري ستانلي ، كوم الدكة، المسرح الروماني به ثلاثة عشر مدرجاً رخامياً يُحبونني مُرقمين بحروف و أرقام يونانيه تُحبني أيضاً، أبراهيم باشا القائد الأعظم أبنه لمُحمد علي باشا يُحبني جداً و كذلك مهندسه الروسي الذي صمم له مسجده الذي صليت فيه مع آلاف الأحبه في شهري المُحبب رمضان لأشعر بالخشوع أول مرة بعمري ، ذلك المسجد الذي تمنيت يوماً أن يُعقد قراني فيه أعلم أنه يُحبني ، تمثال القديس جان باتيست بكنيسة كلية سان مارك يُحبني ، شعرت بحُبه حين تسللت من المدرسة الي بوابة الكنيسة ووقفت أمامه لدقائق أتأمل روعة تصميمه ، حُسني مازال يصنع المشاوي مُنتظراً أن آتي لأجلس على طاولتي المفضلة على الرصيف لأكل قليلاً و أُطعم القطط كثيراً.
شارع صفية زغلول يحرس لي مكاني في سينما مترو ، و جميلة بوحريد تنتظرني فى السيوف شماعة لأقضي وقتاً لطيفاً بقرية عبدالوهاب.
و أستاد الأسكندرية يستعد لأستقبالي أنا و هو ليفوز الأتحاد على الأهلي بثلاثة أهداف لهدف واحد.
هل أخبرتكم أن عبداللطيف أبوهيف عبر المانش من أجلي، و اننا سنجلس معاً انا ، هو و يوسف و عُمر و مديحة كامل و سيد درويش و عادل أدهم و كليوباترا نتحدث و نُدخن و يدافع سيد درويش عن سمير صبري و يقول يكفيه أنه سكندري لألوي شفتي بأمتعاض و أصرخ أن أنجاب أسكندريه لسمير صبري يشبه أكتشافك يا يوسف لخالد يوسف ، يضحك و يقولي أنتِ حُمارة و بنت كلب ، و بحبك.
حلواني كلاسيك فى شارع زين العابدين الذي أعتدت أن أشتري منه كعكة ميلادي ، شهر ديسمبر الذي أختار يومه الاعظم الخامس و العشرين منه كي يعطيني لأمي ، أمي التي أعطتني فاطمة ، فاطمة التي اعطتني الحياة و أجبرتني على التمسك بها رغماً عني ،
حتى الكويت لو كان لها قلب لكانت أحبتني.
قداحتي تحبني تختفي لفترة فأشتري غيرها لأجدها تظهر مرة اخرى ،بطُرق غريبة تعلق بشنطتي او في جيب جاكيتتي تأبى أن تذهب لآخر\ى.
القطط تُحبني ، الأيس كريم ، الملابس القُطنيه تحنو عليّ ، و الممر بين مكتبي و غرفة استقبال العُملاء يعشقني فأفضل دائماً أن أُدخن سيجارتي فيه و أتحدث معه قليلاً.
خالتي-رحمها الله- تحبني ، أنا فتاتها المُفضلة ، أخبرتني بذلك أمس الأول ، فأبتسمت لها بعينِ دامعة و قلب مُرتجف.
أخي يعشقني و يتمنى أن يتزوج فتاة تصنع البشاميل كما أصنعه ، علم أنه لن يجدها لذلك حجز لنفسه في منزلي غرفة كي يأتي لحضن أخته و يأكل من يدها البشاميل و نصنع الأرجيلة و نلعب الورق و نضحك كثيراً حتى الصباح.
هذا الجدار في مدرستي الذي كتبت عليه أغنية "على قد الشوق" و أنا في الصف الأول الاعدادي لتخبر عني الفتاة ذات الشعر القصير مثل الأولاد ، فاتلقي توبيخ من راهبتي العزيزة ، ذلك الجدار يحبني و يغني معي الآن "على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلمّ ، سلمّ ، ده أنا ياما عيوني عليك سألوني و ياما بأتألم على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم".
* * *
كنت أتحدث مع صديقتي العزيزة عن الفراغ العاطفي، و خلصنا الي أن بكل منا فراغ كُلٌ يملأهُ بطريقته ،
* * *
كل ما احدّد شكله ...
فى الضلمه يفر
دى ملامحه اللى قدرت أعرفها
لكن ممكن اسميه وارتاح
قاعد
مستربع
كابس على مراوح قلبى
شىء بايخ جداً
اسمه الحب

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* إسكندرانية تقيم فى الكويت 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق